آفاق المملكة العربية السعودية
26.11.2025
من المتوقع أن يتحسن النمو الاقتصادي في المملكة العربية السعودية ليصل إلى نحو 5% في عام 2026، مدفوعاً بانتعاش كبير في إنتاج النفط الخام إلى جانب النمو القوي في القطاع غير النفطي. أما عجز المالية العامة، والذي سيتسع في عام 2025 نتيجة انخفاض الإيرادات النفطية، فيُرجَح أن يتقلص في عام 2026 بفضل زيادة إنتاج النفط الخام والإيرادات غير النفطية، إضافة إلى استمرار جهود ضبط الإنفاق العام. وتتمثل المخاطر التي قد تؤثر سلباً على افاق النمو بشكل رئيس في تقلبات أسواق النفط، والتطورات الجيوسياسية السلبية، وتباطؤ وتيرة الاستثمارات الحكومية، في حين تشمل العوامل الإيجابية الرئيسية زيادة تدفقات الاستثمار الخاص بشكل يفوق التوقعات، والتي قد يعززها ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
نمو قوي في القطاع غير النفطي مدفوع بالطلب المحلي
من المتوقع أن ينمو الاقتصاد السعودي غير النفطي بنسبة 4% في عامي 2025 و2026، مدعوماً باستمرار قوة الطلب المحلي والتقدم في تنفيذ رؤية المملكة 2030 للتنويع الاقتصادي. وقد كان القطاع غير النفطي في السعودية من بين الأقوى في دول مجلس التعاون الخليجي بعد الجائحة، وهو ما يعكس نجاح الإصلاحات الهيكلية والمبادرات الاستثمارية التي أطلقتها الحكومة السعودية، ومن المرجح استمرار هذا الزخم خلال فترة التوقع. كما تحققت مكاسب اجتماعية واقتصادية من انخفاض معدلات البطالة بين المواطنين إلى مستويات تاريخية، وارتفاع مشاركة المرأة في سوق العمل (6.8% و37% في الربع الثاني على التوالي)، وتسارع نمو الأجور، مما وسّع القاعدة الإنتاجية للمملكة وعزز الاستهلاك الخاص. ومع تراجع أسعار الفائدة واستمرار الإصلاحات، تبدو آفاق الاقتصاد غير النفطي إيجابية، حتى مع توجه الحكومة لإعادة ضبط أهدافها الاستثمارية الطموحة في ظل انخفاض أسعار النفط الخام، عبر تقليل التركيز على بعض المشاريع العملاقة وتحويل اهتمام صندوق الاستثمارات العامة نحو مشاريع أكثر استدامة وأعلى عائد على المدى القريب وأقل مخاطرة في التنفيذ.
وعلى المستوى القطاعي، نتوقع تحقيق مكاسب أكبر في أنشطة تجارة التجزئة والضيافة، مع مساهمة متزايدة من السياحة في الناتج المحلي الإجمالي، إذ تمثل هذه الأنشطة مجتمعة نحو 21% من الناتج المحلي غير النفطي، مرتفعة من 18.5% في عام 2022. كما سيبرز دور التصنيع والنقل، مدعوماً بزيادة الطاقة الصناعية واستمرار الاستثمار في الخدمات اللوجستية والنقل. ويدل مؤشر مديري المشتريات ومؤشر الإنتاج الصناعي على استمرار التوسع، إذ بلغ الأول مستوى قريباً من أعلى مستوياته التاريخية (60.2) في أكتوبر. وفي الوقت نفسه، يبقى نمو الإقراض المصرفي قوياً رغم تباطؤه (14.3% على أساس سنوي في سبتمبر)، مما سيدعم استمرار توسع النشاط في القطاع الخاص. ومع ذلك، فإن اعتدال نمو الائتمان المصرفي ليقترب من معدل نمو الودائع يُعد تطوراً إيجابياً، إذ سيساعد في تخفيف الضغوط على السيولة ضمن القطاع المصرفي (بلغت نسبة القروض إلى الودائع نحو 111% في سبتمبر الحالي).
ارتفاع إنتاج النفط مع تركيز المملكة على استعادة حصتها السوقية
قمنا بمراجعة توقعاتنا لنمو الناتج النفطي بشكل كبير، إذ تقود السعودية عملية أسرع من المتوقع لإنهاء تخفيضات إنتاج النفط الخام التي أقرتها مجموعة الدول الثمانية ضمن منظمة الأوبك+ خلال 2023-2024 لاستعادة حصتها السوقية. ونتوقع الآن ارتفاع إنتاج المملكة من النفط الخام من متوسط 9.48 مليون برميل يوميًا في 2025 إلى 10.22 مليون برميل يوميًا في 2026، مما سيعزز من نمو الناتج النفطي بنسبة 7.8% في 2026 مقارنة بنحو 5.8% في 2025، ليصل النمو الكلي للناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 5% في 2026.
اعتدال التضخم وانخفاض تضخم الإيجارات السكنية
كما نتوقع أيضاً أن يبقى التضخم عند نحو 2%، في المتوسط، خلال عام 2026، مدعوماً بانخفاض معدل التضخم في الإيجارات السكنية (تمثل 20% من سلة مؤشر أسعار المستهلكين، وتراجعت إلى أدنى مستوى في ثلاث سنوات عند 5.7% على أساس سنوي في أكتوبر)، رغم استمرار الضغوط السعرية في فئة الغذاء وبعض الفئات الاستهلاكية الأخرى. وستسهم خطوة الحكومة بتجميد الإيجارات في الرياض لمدة خمس سنوات في تقليل الضغوط التضخمية ضمن هذا البند بحلول الربع الرابع من 2026. وفي الوقت نفسه، ومع اتجاه السياسة النقدية الأمريكية نحو التيسير، يُتوقع إجراء المزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة السعودية (سعر إعادة الشراء يبلغ 4.5% حالياً) في عام 2026.
استمرار عجز المالية العامة على المدى المتوسط
نتوقع تسجيل عجز مالي للعام الرابع على التوالي في 2026 بنسبة 4% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل من تقديرات عام 2025 (5% من الناتج)، الذي يعتبر الأكبر منذ عام 2020 بما يتماشى تقريباً مع التقديرات الحكومية في الميزانية المبدئية (5.3%). ويُعزى اتساع عجز 2025 إلى انخفاض الإيرادات النفطية (تراجع توزيعات الأرباح والمدفوعات من أرامكو) نتيجة انخفاض أسعار النفط الخام. وفي المقابل، فإن زيادة إنتاج النفط وارتفاع الإيرادات غير النفطية سيخففان من أثر انخفاض أسعار النفط، بينما سيتباطأ نمو الإنفاق العام من معدلاته المرتفعة في السنوات السابقة نتيجة تشديد الانضباط المالي، مع الأخذ بالاعتبار أن الإنفاق العام يتجه نحو انخفاض طفيف في 2025 قبل أن يعود إلى نمو معتدل بنحو 2.5% في 2026. ومن المتوقع أيضاً أن يرتفع دين الحكومة المركزية إلى 33% من الناتج المحلي الإجمالي في 2026 من 30.5% في 2025. وقد أكدت الحكومة التزامها بسياسة مالية تدعم الاستهلاك وتعزز استراتيجية التنويع الاقتصادي الطموحة لرؤية 2030. ومؤخراً، رفعت وكالة ستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني السيادي للمملكة إلى A+، مشيرة إلى متانة أسس المالية العامة والقطاع الخارجي واستمرار التقدم في التنويع الاقتصادي.
أسعار النفط والتطورات الجيوسياسية وزخم الاستثمار من أبرز المخاطر
تتمثل المخاطر السلبية الرئيسية في الضغوط المتزايدة على وضع المالية العامة نتيجة انخفاض أسعار النفط الخام، مما قد يضطر الحكومة إلى تقليص الإنفاق العام. كما يمكن أن تؤثر المخاطر الخارجية والجيوسياسية، من التجارة إلى التوترات الإقليمية، على النمو الاقتصادي، لكننا نرى أن أثر هذه المخاطر سيكون محدوداً. وتبقى السيولة المصرفية من أحد أهم العوامل عاملاً يستحق المتابعة من قبل صناع القرار لتقليل المخاطر السلبية، رغم أن البنوك لا تزال تتمتع برأس مال قوي. أما على الجانب الإيجابي، فقد يكون التحول الاستراتيجي الأخير لصندوق الاستثمارات العامة مؤشراً جيداً لتعزيز الاستثمارات الخاصة وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.