الموجز الاقتصادي لمصر
24.09.2025لمحة عامة
يواصل الاقتصاد المصري التحسن بخطى ثابتة، إذ سجل نمو الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني من عام 2025 أعلى مستوى له خلال أكثر من ثلاثة أعوام ليصل إلى 5%، على أساس سنوي، وذلك في ظل بقاء التضخم عند مستوى مرتفع رغم تباطؤه في الفترة الأخيرة وتشديد ظروف التمويل والتوترات الجيوسياسية الإقليمية. وساهم اعتدال التضخم في توفير مساحة للبنك المركزي المصري لخفض أسعار الفائدة بمقدار 525 نقطة أساس منذ بداية العام الحالي، مع توقع مواصلة خفضها بنحو 300 نقطة أساس بنهاية العام. ومن المقرر أن تصل بعثة صندوق النقد الدولي إلى القاهرة في أكتوبر القادم لإجراء المراجعتين الخامسة والسادسة معاً ضمن برنامج تسهيل الصندوق الممدد لدعم مصر والبالغة قيمته 8 مليار دولار والمستمر حتى أواخر 2026. ويواصل البرنامج التركيز على الحفاظ على مرونة سعر الصرف، وخفض التضخم لمستويات مقبولة، وتقليص عجز المالية العامة وتكاليف خدمة الدين العام، مع إتاحة المجال لنمو القطاع الخاص. وحتى الآن، تلقت مصر نحو 3.2 مليار دولار ضمن البرنامج، ومن المتوقع أن تحصل على دفعة إضافية بقيمة 2.5 مليار دولار بعد انتهاء المراجعات. ومن شأن هذه التدفقات، تعزيز الثقة في وضع التمويل الخارجي في ظل استمرار عجز الحساب الجاري والتزامات سداد الديون. كما ارتفع الجنيه المصري بالفعل بنسبة 5% هذا العام مقابل الدولار الذي شهد تراجعاً نسبياً بصفة عامة.
أحدث التطورات
• نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.4% في السنة المالية 2024/2025 متجاوزاً المستوى المستهدف للحكومة البالغ 4.2%، مرتفعاً بشكل ملحوظ عن نسبة 2.4% المسجلة في السنة المالية 2023/2024، بحسب وزارة المالية. وتشير التقديرات الأولية للربع الثاني من عام 2025 إلى تسارع وتيرة النمو لتصل إلى 5% على أساس سنوي، لتسجل أعلى نسبة نمو منذ الربع الأول من عام 2022. وعلى الرغم من أن الاستهلاك ما يزال المحرك الرئيسي للنمو، إلا أن الاستثمار الخاص عاد مجدداً إلى المنطقة الإيجابية بعد عامين من الانكماش (الرسم البياني 6). وعلى الصعيد القطاعي، كان النمو مدفوعاً بقطاع التصنيع، يليه الوساطة المالية، والسياحة، والزراعة، وقطاعي الجملة والتجزئة.
• تباطؤ وتيرة التضخم للشهر الثالث على التوالي في أغسطس، رغم بقاء التضخم الأساسي عند مستوى مرتفع. انخفض معدل التضخم إلى 12%، على أساس سنوي، (0.4%، على أساس شهري) مقابل 13.9% في يوليو، مسجلاً أدنى مستوياته منذ ما يقارب نحو ثلاثة أعوام، على خلفية تراجع أسعار الغذاء والنقل والترفيه، إذ شهدت الفئتان الأخيرتان أول انكماش شهري لهما منذ سنوات. وفي المقابل، تباطأ معدل التضخم الأساسي، الذي يستثني البنود المتقلبة والخاضعة للرقابة الحكومية، إلى 10.7% على أساس سنوي مقابل 11.6% في يوليو (الرسم البياني 1). إلا أن معدلاً آخر للتضخم (تضخم الخدمات الأساسية)، والذي يستثني أسعار المواد الغذائية والطاقة والإسكان، ما زال يتخطى 20%، على أساس سنوي، مما يشير لاستمرار الضغوط السعرية في قطاع الخدمات ويثير المخاوف قبيل تطبيق خطة خفض دعم الوقود. ويعكس تباطؤ التضخم توافقاً تاماً مع خفض أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس في نفس الشهر، ليبقى بذلك معدل الفائدة الحقيقي عند 11%، والذي يعد من بين الأعلى في العالم.
• ارتفاع سعر صرف الجنيه المصري نتيجة التدفقات القوية للمحافظ الاستثمارية، خاصة لأذونات الخزانة قصيرة الأجل، بقيمة صافية قدرها 6.6 مليار دولار (في الفترة من مايو حتى أغسطس). وسجل شهر أغسطس الشهر الرابع على التوالي من التدفقات الداخلة الصافية، ليصل الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي إلى 48 جنيهاً (الرسم البياني 2). وساهم في تعزيز هذا الارتفاع ضعف الدولار الأمريكي، وإن لم يتناسب مع نفس درجة الضعف، إذ تراجع الدولار بنسبة 10.5% منذ بداية العام الحالي مقابل العملات الرئيسية الأخرى، وبنسبة 7.2% مقابل عملات الأسواق الناشئة، في حين ارتفع الجنيه المصري بنسبة 5.6% فقط خلال نفس الفترة. ونتيجة لذلك، يشهد القطاع المصرفي وفرة ملحوظة في السيولة بالعملات الأجنبية.
• ارتفاع حوالات العاملين المصريين في الخارج وإيرادات السياحة لمستويات قياسية خلال السنة المالية 2024/2025. ارتفعت حوالات المصريين العاملين في الخارج بنسبة 66%، على أساس سنوي، لتصل إلى أعلى مستوياتها التاريخية عند 36.5 مليار دولار، إذ سجل شهر يونيو وحده 3.6 مليار دولار (بزيادة 41%، على أساس سنوي) – وهو أعلى معدل شهري يتم تسجيله في مصر على الإطلاق. ويعتبر أثر سنة الأساس أحد أهم العوامل التي ساهمت في ارتفاع نسبة النمو في حوالات العاملين من الخارج والعودة لنفس المستويات المعتادة لها فوق حاجز 30 مليار دولار. وفي قطاع السياحة، شهدت مصر زيادة بنسبة 23% على أساس سنوي في أعداد السياح الوافدين خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، مع توقع بلوغ معدل النمو السنوي نحو 20% للعام كاملاً. كما تجاوز معدل إشغال الفنادق نسبة 80% في المتوسط للمناطق السياحية الرئيسية على مستوى البلاد. وتعتبر كل من حوالات المصريين العاملين في الخارج والإيرادات السياحية مصدرين رئيسيين لتدفقات العملات الأجنبية لمصر، والتي تساهم بشكل فعال في تخفيف العجز التجاري وتعزيز العملة الأجنبية في القطاع المالي (الرسم البياني 3).
• وصل صافي الأصول الأجنبية في البنوك المصرية إلى 8 مليار دولار في يوليو، بارتفاع نسبته 64%، على أساس شهري، ليصل إلى أعلى مستوى منذ نوفمبر 2014. فيما ارتفع صافي الأصول الأجنبية للنظام المصرفي، بما في ذلك البنك المركزي، بنسبة 24% على أساس شهري ليصل إلى 18.5 مليار دولار بنهاية يوليو، مسجلاً أفضل قراءة منذ فبراير 2021. وعلى الرغم من أن المصدر الرئيسي لتلك الزيادة يكمن في التدفقات الناجمة عن عمليات تجارة المناقلة، إلا أن المصادر الأخرى، كحوالات العاملين في الخارج والإيرادات السياحية، من المتوقع ان تقدم أيضاً بعض الدعم لتعويض المخاطر المحتملة الناجمة عن التدفقات الخارجة مستقبلاً. وتعمل هذه الأصول الأجنبية في النظام المصرفي كخط دفاع أول أثناء فترات الاضطرابات، بما يفسح المجال أمام البنك المركزي للحفاظ على مستويات مستقرة من الاحتياطيات الرسمية من العملات الأجنبية (الرسم البياني 4).
• شهدت ودائع البنوك لدى البنك المركزي المصري عبر عمليات السوق المفتوحة انخفاضاً ملحوظاً، إذ تمثل هذه الودائع الأسبوعية ذات الفائدة الثابتة السيولة الفائضة المتاحة لدى البنوك بعد تسوية احتياجات السيولة بين البنوك. وعادة ما يقوم البنك المركزي باستيعاب هذه السيولة الفائضة لضمان استقرار النظام المصرفي. وفي منتصف سبتمبر، تراجعت المشاركات في المزاد الأسبوعي للودائع ذات الفائدة الثابتة بنسبة 75%، على أساس اسبوعي، لتصل إلى 87 مليار جنيه، مقابل 344 مليار جنيه في الأسبوع السابق (الرسم البياني 5). وفي وقت سابق من عام 2025، دفعت أسعار الفائدة المرتفعة أرصدة عمليات السوق المفتوحة إلى أكثر من تريليون جنيه مصري. ومع استمرار التيسير النقدي منذ أبريل، تحولت السيولة تدريجياً نحو سوق الخزانة وهو ما أدى إلى فصل واضح بين عائدات الأذونات السيادية قصيرة الأجل ومعدلات عمليات السوق المفتوحة والتي تتأثر بشكل مباشر بسعر الفائدة الرسمي. ومن المتوقع أن يستمر هذا الاتجاه خلال عام 2026، مع تحفيز البنوك بشكل متزايد على استخدام عمليات إعادة الشراء للاستفادة من عائدات أذونات الخزانة المرتفعة في ظل انخفاض أسعار الفائدة الثابتة لعمليات السوق المفتوحة.
ويمكن ملاحظة هذا التوجه نحو سوق أذونات الخزانة أيضاً في تباطؤ النمو الحقيقي للائتمان المحلي، الذي سجل 7% فقط على أساس سنوي في يوليو مقابل 6% في يونيو، وذلك رغم ارتفاع الودائع المحلية تحت الطلب بنسبة 37%، على أساس سنوي، خلال نفس الشهر. وتشير هذه المعطيات إلى أن السيولة المتزايدة قصيرة الأجل داخل القطاع المصرفي لم تتجه نحو تمويل قطاع الأعمال المحلي، بل نحو الاستثمار في سوق الخزانة الأولي، مما أدى لتشديد ظروف السيولة المحلية للعديد من الشركات العاملة في مصر.
• اتخذت الحكومة خطوات ملموسة نحو الوفاء بالتزاماتها في إطار برنامج صندوق النقد الدولي، إلا أن وتيرة التقدم كانت متباينة. وكانت إحدى نقاط الخلاف الرئيسية التأخر في وتيرة الإصلاحات الهيكلية، لا سيما خصخصة الشركات المملوكة للدولة والشركات التابعة للجيش. وكان من المقرر أن يختتم برنامج الخصخصة، الذي أطلق في مارس 2023 بهدف بيع حصص في 40 كياناً عبر 18 قطاعاً، بحلول مارس 2024. إلا ان الجدول الزمني تم تأجيله عدة مرات، مع تفسيرات تتراوح بين المخاوف بشأن انخفاض التقييم الخاص بالأصول إلى عقبات تتعلق بإجراءات الفحص والتدقيق اللازمة. إضافة لذلك، طلبت السلطات تأجيل بعض تدابير ضبط أوضاع المالية العامة لتخفيف الضغوط الاجتماعية. ودفعت هذه التأخيرات صندوق النقد الدولي إلى دمج المراجعتين الخامسة والسادسة للبرنامج في مراجعة واحدة مقررة في أكتوبر2025.
التوقعات
نمو قوي مدفوع بالاستهلاك خلال الفترة المقبلة
بعد أن تجاوز نمو الناتج المحلي الإجمالي التوقعات في السنة المالية 2024/2025، تم رفع توقعاتنا للسنة المالية 2025/2026 من 4.2% إلى 4.7% (الرسم البياني 6). ومن المتوقع أن يكون النمو مدفوعا بصفة رئيسية بالاستهلاك، بدعم من تحسن القوة الشرائية، إضافة لارتفاع الاستثمار الخاص للعام الثاني على التوالي، بفضل انخفاض تكاليف الاقتراض نظراً لاستمرار التيسير النقدي. كما أن الانخفاض المتوقع في تكاليف الاقتراض، إلى جانب الاتجاه الهبوطي للتضخم وارتفاع الإنفاق الاجتماعي وتسارع وتيرة نمو الأجور في القطاعين العام والخاص، سيعمل على دعم النمو الاقتصادي على المدى المتوسط. ومن المتوقع أيضاً أن يبقى تدفق حوالات المصريين العاملين في الخارج قوية، مما يدعم الطلب الاستهلاكي، فيما يتوقع استمرار تعافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، لا سيما بعد الإجراءات الأخيرة لمعالجة اختلالات سوق صرف العملات الأجنبية.
نهج الخصخصة يتحول نحو حصص الأقلية
وفقاً لتقارير إعلامية فإنه من المرجح أن تتضمن خطة حكومية للخصخصة بيع حصة تتراوح بين 30-35% من بنك القاهرة، إلى جانب إدراج جزئي لعدد من الشركات المملوكة للدولة وتلك التابعة للقوات المسلحة، مثل صافي (المياه المعبأة)، الوطنية (البترول)، شركة سيلو فودز (تصنيع الأغذية)، تشيل أوت (بيع الوقود بالتجزئة)، ميدور (التكرير)، جبل الزيت (طاقة الرياح)، الأمل الشريف (البلاستيك)، إضافة إلى شركتي سيد للأدوية ومصر فارم (أدوية). ويحول البرنامج المعدل التركيز نحو طرح حصص الأقلية في البورصة المصرية بشكل عام بنسبة تتراوح بين 10-40%، مع توقع عدد محدود من المبيعات الاستراتيجية. وتهدف السلطات حالياً لجمع نحو 3 مليارات دولار من عائدات برنامج الخصخصة في السنة المالية 2025/2026، مقارنة بالهدف السابق البالغ 5-6 مليارات دولار، بما يعكس وتيرة أكثر تدرجاً. وبالإضافة إلى توليد الإيرادات، يسعى البرنامج إلى تعميق سوق رأس المال في مصر، وجذب تدفقات جديدة نحو الأسهم، وإعادة التأكيد على الالتزام بالإصلاحات الهيكلية في نظر الشركاء الدوليين.
تسارع وتيرة التضخم قبل انخفاضه في العام 2026
من المتوقع أن يرتفع التضخم إلى 13-15% بنهاية عام 2025، متأثراً بإجراءات إلغاء الدعم، قبل أن يتراجع إلى 9.5% في الربع الرابع من عام 2026. ويتوقع أن يواصل البنك المركزي دورة التيسير النقدي بخفض سعر الفائدة بنحو 300 نقطة أساس في عام 2025 و600 نقطة أساس في عام 2026، تعويضاً عن الزيادات الحادة التي طبقها في عام 2024. ومن المرجح أن تنخفض أسعار الفائدة الحقيقية إلى 4-5% بحلول عام 2026، مع بقائها ضمن أعلى المعدلات عالمياً، ما يجعل مصر وجهة جذابة للمستثمرين في عمليات تجارة المناقلة رغم المخاطر العالمية.
تحسن الحساب الخارجي واتجاه الاحتياطيات نحو الارتفاع
بدأت الصادرات في التعافي بدعم من تحسن القدرة التنافسية نتيجة لانخفاض قيمة الجنيه المصري في العام الماضي ومرونة الطلب الأمريكي على الملابس والمواد الغذائية رغم الرسوم الجمركية. وانخفض عجز الحساب الجاري إلى 2.3 مليار دولار في الربع الأول من عام 2025. ومن المتوقع أن يبلغ العجز للسنة المالية 2024/2025 بأكملها 15.7 مليار دولار (ما يعادل نسبة 4.3% من الناتج)، مع توقع خفضه إلى 14 مليار دولار (3.3% من الناتج) في السنة المالية 2025/2026. ويعزى هذا التحسن لقوة الصادرات وإيرادات قناة السويس وحوالات المصريين العاملين في الخارج وإيرادات السياحة (التي يتوقع أن تتجاوز 16 مليار دولار). وسيتم تغطية الفجوة التمويلية البالغة 20 مليار دولار من خلال الاستثمار الأجنبي المباشر وإصدار أدوات الدين ومدفوعات صندوق النقد الدولي. ومن المتوقع أن تتجاوز الاحتياطيات 50 مليار دولار في عام 2026، مرتفعة بشكل ملحوظ فوق الحاجز الذي حدده صندوق النقد الدولي، ويقدر حالياً بنحو 44 مليار دولار في الربع الثالث من عام 2025.
الجنيه المصري يحافظ على استقراره وسط المخاطر
استفاد الجنيه المصري من التدفقات القوية للمحافظ الاستثمارية وتقلص عجز الحساب الجاري، الأمر الذي مكّنه من الحفاظ على المكاسب الأخيرة التي سجلها والتداول ضمن نطاق 47-50 جنيهاً مصرياً مقابل الدولار الواحد حتى نهاية عام 2025. إلا أن عدد من التحديات قد تؤثر على سعر الصرف خلال العام القادم التي تتضمن استمرار العجز في الحساب الجاري وارتفاع التضخم مقارنة بشركاء مصر التجاريين، وإمكانية ارتفاع قوة الدولار في حال تشديد الظروف النقدية عالميا. علاوة على ذلك، فإن التراجع المتوقع في أسعار الفائدة المحلية قد يؤدي لانخفاض تدفقات المحافظ الاستثمارية، مما قد يقلص مصدراً مهماً للسيولة بالعملات الأجنبية. وبناءً عليه، فيُرجَّح أن يشهد الجنيه المصري بعض التراجع خلال العام المقبل.
تقليص عجز المالية العامة وتخفيف ضغوط الديون
من المتوقع أن يتراجع العجز المالي لمصر إلى 6.6% من الناتج خلال السنة المالية 2025/2026، مقارنةً بنحو 7.1% في السنة المالية 2024/2025 (الرسم البياني 7). ويستند هذا التحسن إلى ثلاثة عوامل رئيسية. أولاً، يتوقع أن تنمو الإيرادات بنسبة 23% مدفوعة بالإصلاحات الضريبية الجارية. إذ أدخلت السلطات بالفعل تعديلات على نظام ضريبة القيمة المضافة، وتعمل حالياً على استكمال خطة شاملة لإصلاح المنظومة الضريبية. وعلى الرغم من عدم فرض ضرائب جديدة، إلا أن هذه الإصلاحات تركز على تبسيط إجراءات السداد، وتقليص الإعفاءات، والحد من التهرب الضريبي، بما يعزز القاعدة الضريبية ويوفر زيادة ملموسة في الإيرادات.
ثانياً، من المتوقع أن تساهم دورة التيسير النقدي المستمرة في خفض عائدات السندات إلى نحو 20% في المتوسط خلال السنة المالية 2025/2026 مقابل 27% في السنة المالية 2024/2025، ما يخفف من عبء خدمة الدين الحكومي ويؤثر إيجاباً على الميزانية العامة، خاصة وأن مدفوعات الفائدة ما تزال أكبر بند من بنود المصروفات وتمثل قرابة نصف الإنفاق العام وتستحوذ على نحو 73% من إجمالي الإيرادات. ثالثاً، يرجح أن يؤدي استمرار تراجع أسعار النفط العالمية خلال السنة المالية إلى تقليص تكاليف الدعم، بما يسمح للحكومة بالحفاظ على مستويات الإنفاق الرأسمالي. أما خلال الفترة القادمة، فيتوقع أن يساهم النمو القوي للناتج المحلي الإجمالي الاسمي والحفاظ على الفائض الأولي بصفة مستدامة في خفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي من 85.6% بنهاية يونيو 2025 إلى نحو 82% بنهاية يونيو 2026.
التحديات التي تهدد آفاق النمو
تشمل العوامل الداعمة لتوقعات المالية العامة إبرام أي صفقات استثمارية جديدة كمشروع رأس الحكمة، أو حدوث تراجع أكبر من المتوقع في تكاليف خدمة الدين. كما شهدت تدفقات المحافظ الاستثمارية قوة ملحوظة في الأسواق الناشئة، بما في ذلك مصر خلال عام 2025، في ظل تحسن الإقبال على المخاطرة. وإذا استمر هذا الزخم في عام 2026، فقد يدعم استمرار قوة الجنيه المصري.
أما المخاطر السلبية فتتمثل في احتمال بقاء عوائد أذونات الخزانة مرتفعة لفترة أطول، أو ضعف أداء الإيرادات المالية، مما قد يؤدي إلى اتساع العجز وزيادة الضغوط على مستويات الدين العام. علاوة على ذلك، فإن استمرار التأخير في برنامج الخصخصة ينطوي على مخاطر عدم تحقيق معايير الأداء التي يحددها صندوق النقد الدولي، الأمر الذي قد يؤثر على مصداقية الإصلاحات في نظر المجتمع المالي العالمي. وفي الوقت ذاته، ارتفعت حيازات الأجانب من الديون الحكومية المصرية قصيرة الأجل إلى نحو 42 مليار دولار، مما يجعل العملة أكثر عرضة لاحتمالات خروج رؤوس الأموال. ويؤكد الاعتماد على هذه التدفقات مدى حساسية السوق لتغيرات معنويات المستثمرين.
وأخيرًا، قد يؤدي تباطؤ الطلب العالمي إلى الضغط على الصادرات، في حين أن عودة حالة العزوف عن المخاطرة تجاه الأسواق الناشئة أو تصاعد التوترات الجيوسياسية قد يؤثر سلبًا على إيرادات قناة السويس والسياحة وحوالات العاملين. مثل هذه الضغوط قد تضعف الجنيه المصري، وتبدد التراجع الأخير في معدلات التضخم وأسعار الفائدة، بل وقد تعيد الاقتصاد إلى فترة من الضغوط المرتفعة.