آفاق مصر
30.11.2025
من المتوقع أن يشهد الاقتصاد المصري مزيداً من التحسن خلال العام المقبل، مع انعكاس مكاسب جهود الاستقرار الكلي والإصلاحات الهيكلية في إطار برنامج صندوق النقد الدولي. فبعد إعادة ضبط السياسات في مارس 2024، بدأت الأنشطة الاستثمارية في الانتعاش، وتوسعت القدرات التصنيعية، وحصل قطاع السياحة على دفعة قوية في ظل استقرار سعر صرف الجنيه المصري وتوجه مالي واقتصادي واضح قائم على الإصلاح. ورغم بقاء الالتزامات الخارجية الكبيرة، وتقلب الأوضاع المالية العالمية، واستمرار ارتفاع أسعار الفائدة المحلية، فإن التدفقات المالية من القطاعات المختلفة، وتنوع مصادر التمويل، وتحسن مصداقية السياسات، توفر أساساً أكثر استقراراً وصلابة للاقتصاد المصري.
انتعاش النمو وزخم الاستثمار
من المرجح أن يزداد النشاط الاقتصادي قوة خلال فترة التوقعات، في ظل تسارع نمو الناتج المحلي الإجمالي من 4.7% في السنة المالية 2025/2026 إلى 5.1% في السنة المالية 2026/2027، مع انعكاس مكاسب الاستقرار الكلي على الاستثمار والاستهلاك والتجارة الخارجية. وسيكون لـ "السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية " ((NEDN والتي تمثل تحولاً استراتيجياً نحو النمو بقيادة القطاع الخاص، وتعزيز القدرة التنافسية للصادرات، وتحديث المؤسسات، دوراً متزايد الأهمية في المرحلة المقبلة. ومع توافر النقد من العملات الأجنبية بشكل أكبر واعتماد نظام صرف أكثر قابلية للتنبؤ، انخفضت حالة عدم اليقين لدى الشركات، وعادت المشاريع الكبرى في قطاعات السياحة والبناء والخدمات اللوجستية إلى مسارها. كما يبرز قطاع التصنيع كمحرك رئيسي للتوقعات، مدعوماً بحوافز للصناعات الموجهة للتصدير، وتحسن توافر الطاقة، وتبسيط الإجراءات التنظيمية. وتشهد المناطق الصناعية، خصوصاً في مجال الكيماويات وتصنيع الأغذية والمنسوجات، تدفق استثمارات جديدة، مع توسيع الشركات متعددة الجنسيات للطاقة الإنتاجية المحلية. وتزداد تنافسية الصادرات غير النفطية بفضل مرونة سعر الصرف وارتفاع الطلب العالمي، فيما تبقى صادرات المنتجات الزراعية قوية. ومن المتوقع أن يتسارع الطلب المحلي مع تحسن الثقة واستقرار الأجور الحقيقية وتوقعات أكثر وضوحاً للسياسة النقدية.
استقرار اقتصادي مع تقدم محدود في الخصخصة
استفاد الاقتصاد المصري من إعادة ضبط السياسات في 2024 وبرنامج الاستقرار الكلي الذي تم بوساطة صندوق النقد الدولي. فقد أُعيد توجيه الدعم، وارتفعت الاحتياطيات إلى مستويات قياسية، وعاد صافي الأصول الأجنبية في النظام المصرفي إلى مستويات ما قبل الجائحة. ومع ذلك، لا يزال المستثمرون يترقبون تقدماً ملموساً في الخصخصة لمعالجة المخاوف بشأن المزاحمة في السوق. كما يجري تعميق سوق الدين المحلي عبر برنامج الصكوك الجديد لتوسيع قنوات التمويل. وسيكون الحفاظ على إطار موثوق قائم على القواعد أمراً أساسياً لضمان الاستقرار والحد من تراكم الاختلالات مع اقتراب انتهاء اتفاق صندوق النقد الدولي في أواخر 2026.
مسار التضخم واتجاه السياسات
من المتوقع أن ينخفض معدل تضخم أسعار المستهلكين من متوسط 14% في عام 2025 إلى 11% في عام 2026، بدعم من نظام صرف موثوق، وأسعار فائدة رسمية مرتفعة، إضافة إلى تراجع قيود سلاسل الإمداد، وانخفاض أسعار الغذاء العالمية. وتشمل التوقعات الأثر التضخمي المؤقت لزيادة أسعار الوقود والنقل في أواخر 2025، إلا أن هذا الأثر سيبقى محدوداً بفضل استقرار الطلب وتحسن السيولة بالنقد الأجنبي. ومن المرجح أن يتوخى البنك المركزي المصري الحذر في خفض أسعار الفائدة، مع إمكانية تقليصها بنحو 600 نقطة أساس خلال 2026.
إعادة ضبط المالية العامة وإصلاحات السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية
تحسنت أوضاع المالية العامة ومن المتوقع أن تتحسن أكثر، إذ يُرجح أن ينخفض العجز الكلي من 7% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2024/2025 إلى 6% في السنة المالية 2026/2027، مع استمرار الحكومة المصرية في تقليص الدعم، وتوسيع مصادر الإيرادات، وترشيد النفقات العامة. وضمن هذا الإطار، رُفعت أسعار الوقود المحلية مجدداً في أكتوبر 2025 لتقترب من المستويات العالمية، بهدف تخفيف الضغوط على الموازنة العامة. كما تتقدم جهود رقمنة النظام الضريبي، وتوسيع القاعدة الضريبية، وتحسين إدارة المالية العامة.
تحسن وضع القطاع الخارجي بدعم من حوالات العاملين والسياحة
تحسن وضع القطاع الخارجي مع انتعاش الأنشطة المولّدة للنقد الأجنبي مثل السياحة واستقرار تدفقات رؤوس الأموال. كما يدعم هذا التحسن استمرار قوة تحويلات العاملين بالخارج، والتي ارتفعت بشكل ملحوظ بعد خفض قيمة العملة. ومن المتوقع أن ينخفض عجز الحساب الجاري من -4.2% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2024/2025 إلى نحو -3% في السنة المالية 2026/2027. ويستحق قطاع السياحة إشارة خاصة، إذ يُتوقع أن يسهم افتتاح المتحف المصري الكبير في الجيزة في زيادة أعداد الزوار، التي ارتفعت بالفعل بنسبة 21% على أساس سنوي في 2025. وفي الوقت نفسه، بدأت عائدات قناة السويس في التحسن مع عودة حركة الشحن في البحر الأحمر تدريجياً بعد وقف إطلاق النار في غزة. وستبقى هذه القطاعات، إلى جانب الاستثمارات الأجنبية الاستراتيجية المباشرة مثل استثمار قطر في مشروع "علم الروم"، محورية في إعادة بناء الاحتياطيات وتحسين السيولة بالنقد الأجنبي. وقد ارتفعت الاحتياطيات إلى مستويات قياسية بلغت 50 مليار دولار، بما يغطي نحو 8 أشهر من الواردات.
آفاق الاقتصاد بين الإصلاحات وأسعار الفائدة والتحولات الجيوسياسية
قد تنشأ مخاطر سلبية من الاضطرابات الجيوسياسية، وتقلب أسعار الفائدة العالمية، وارتفاع أسعار النفط والغاز باعتبار مصر مستورداً صافياً للطاقة. كما قد يكون التقدم في الخصخصة أقل من المتوقع. وعلى الجانب الإيجابي، فإن تقدم الإصلاحات بشكل أفضل من المتوقع، والتدفقات السياحية القوية، وانخفاض تكاليف الطاقة، واستمرار اهتمام المستثمرين الخليجيين، يمكن أن يحسّن التوقعات بشكل ملموس.